من المقرر أن تقدير قيمة الاعتراف الذي يصدر من المتهم على أثر إجراء باطل وتحديد مدى صلة هذا الاعتراف بهذا الإجراء وما ينتج عنه من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى، بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال صدرت منه صحيحة غير متأثر فيها بهذا الإجراء جاز لها الأخذ بها، كما أن لها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك، ومتى اطمأنت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به.
وقررت محكمة النقض في حكمها
حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو بطلان الحكم المطعون فيه لصدوره من محكمة غير مختصة، ذلك بأن محاكمة الطاعن جرت أمام محكمة الجنايات عن جنحة إحراز سلاح أبيض (مطواة) بغير ترخيص المؤثمة بالقانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والتي تختص بنظرها محكمة أمن الدولة الجزئية المشكلة وفقاً لقانون الطوارئ.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن محاكم أمن الدولة المشكلة وفقاً لقانون الطوارئ محاكم استثنائية اختصاصها محصور في الفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، ولو كانت في الأصل مؤثمة بالقوانين المعمول بها، وكذلك الجرائم المعاقب عليها بالقانون العام وتحال إليها من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، وأن الشارع لم يسلب المحاكم صاحبة الولاية العامة شيئاً البتة من اختصاصها الأصيل الذي أطلقته الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية، ليشمل الفصل في الجرائم كافة - إلا ما استثنى بنص خاص - وبالتالي يشمل هذا الاختصاص الفصل في الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل، لما كان ذلك. وكان البين من الأوراق أن جنحة إحراز السلاح الأبيض بغير ترخيص قد أحيلت إلى محكمة الجنايات لارتباطها بجناية إحراز جوهر مخدر بقصد الاتجار عملاً بنص المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية فإن النعي بعدم اختصاص محكمة الجنايات بنظر تلك الجنحة يكون غير سديد.
وحيث إن مبنى باقي أوجه الطعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان الطاعن بجريمتي إحراز جوهر مخدر بقصد الاتجار وإحراز سلاح أبيض بغير ترخيص قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه عول في إدانة الطاعن على اعترافه وعلى ما جاء بتقرير المعامل الكيماوية دون أن يورد مؤدى أي من هذين الدليلين، وخلا من بيان واقعة ضبط الطاعن ومن وصف المضبوطات وكيفية وظروف إحرازها ومن استظهار طبيعة السلاح المضبوط، وأعرض الحكم عن عدول الطاعن بجلسة المحاكمة عن اعترافه بالتحقيقات، ورد على الدفع ببطلان هذا الاعتراف وبصدور ممن لا يحسن اللغة العربية بما لا يصلح رداً مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي إحراز جوهر مخدر بقصد الاتجار وإحراز سلاح أبيض بغير ترخيص اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة استقاها من اعترافه بالتحقيقات ومن تقرير المعامل الكيماوية بالطب الشرعي، وحصل من اعتراف الطاعن أنه كان يرغب في السفر إلى استراليا فهداه تفكيره إلى الاتجار في المواد المخدرة وأنه أحرز لهذا الغرض كمية من مخدر الحشيش ومطواة أبان تواجده بمحطة أتوبيس دهب وهو في طريقه إلى مدينة شرم الشيخ يوم 13/ 1/ 1989، ونقل الحكم عن التحقيقات أن وزن ما كان يحرزه الطاعن من المخدر، 510 و380 جراماً، كما نقل عن تقرير المعامل الكيماوية أنه بتحليل العينات التي أخذت عن تلك الكمية ثبت أنها لمخدر الحشيش وأن نصل المطواة عالق به آثار من ذلك المخدر فإن ما أورده من ذلك يكفي لتبرير قضائه بإدانة الطاعن ويضحى النعي عليه بعدم إيراد مضمون الأدلة ووصف المضبوطات وظروف إحرازها في غير محله، لما كان ذلك وكان مناط المسئولية في حالتي إحراز أو حيازة الجواهر المخدرة هو ثبوت اتصال الجاني بالمخدر اتصالاً مباشراً بالذات أو بالواسطة وبسط سلطانه عليه بأية صورة عن علم وإرادة إما بحيازة المخدر حيازة مادية أو بوضع اليد عليه على سبيل الملك والاختصاص ولو لم تتحقق الحيازة المادية، وكان فيما أورده الحكم من اعتراف الطاعن على نحو ما سلف ما يكفي لبيان توافر أركان جريمة إحراز المخدر بقصد الاتجار التي دانه بها فإن النعي عليه بأنه لم يبين كيفية ذلك الإحراز يكون غير منتج. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الجريمتين المسندتين إلى الطاعن جريمة واحدة وعاقبه بالعقوبة المقررة لأشدهما، فإنه لا مصلحة له فيما يثيره بشأن جنحة إحراز السلاح الأبيض ما دامت المحكمة قد أدانته بجناية إحراز الجوهر المخدر وأوقعت عليه عقوبتها عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات بوصفها الجريمة الأشد. لما كان ذلك، وكان الأصل أن يجرى التحقيق أو المحاكمة باللغة الرسمية للدولة - وهي اللغة العربية - ما لم يتعذر على إحدى سلطتي التحقيق أو المحاكمة مباشرة إجراءات ذلك التحقيق دون الاستعانة بوسيط يقوم بالترجمة أو يطلب منها المتهم ذلك ويكون طلبه خاضعاً لتقديرها، وكان مؤدى ما أورده الحكم رداً على دفاع الطاعن بشأن جهله باللغة العربية أن المحكمة اطمأنت مما جرى به التحقيق الابتدائي ومما دار بجلسة المحاكمة إلى أن الطاعن يجيد اللغة العربية التي جرى استجوابه بها في تحقيق النيابة العامة دون الاستعانة بمترجم فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير مقبول، لما كان ذلك وكان من الجائز أن يكون الاعتراف وحده دليلاً تأخذ به المحكمة ولو مع بطلان القبض والتفتيش وكان تقدير قيمة الاعتراف الذي يصدر من المتهم على أثر إجراء باطل وتحديد مدى صلة هذا الاعتراف بهذا الإجراء وما ينتج عنه من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى، بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال صدرت منه صحيحة غير متأثر فيها بهذا الإجراء جاز لها الأخذ بها، كما أن لها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك، ومتى اطمأنت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به. لما كان ذلك، وكان البين مما أورده الحكم المطعون فيه أن المحكمة قدرت في حدود سلطتها التقديرية أن الاعتراف الذي صدر من الطاعن أمام النيابة العامة في اليوم التالي لضبطه وفي غير حضور أي من مأموري الضبط القضائي كان دليلاً مستقلاً عن الإجراءات السابقة عليه ومنبت الصلة بها واطمأنت إلى صحته وسلامته والتفتت عن عدول الطاعن عن هذا الاعتراف بجلسة المحاكمة فإن النعي على الحكم بدعوى القصور في هذا الصدد يكون على غير أساس، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عول في إدانة الطاعن على اعترافه بإحراز المخدر المضبوط ولم يستند في ذلك إلى واقعة ضبط هذا المخدر فإن النعي بخلوه من بيان تلك الواقعة يكون في غير محله، لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً
0 التعليقات:
إرسال تعليق